سورة الحج - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


أفرد سبحانه المهاجرين بالذكر تخصيصاً لهم بمزيد الشرف، فقال: {والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله} قال بعض المفسرين: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة.
وقال بعضهم: الذين هاجروا من الأوطان في سرية أو عسكر، ولا يبعد حمل ذلك على الأمرين، والكلّ من سبيل الله {ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ} أي في حال المهاجرة، واللام في {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً} جواب قسم محذوف، والجملة خبر الموصول بتقدير القول، وانتصاب {رزقاً} على أنه مفعول ثانٍ، أي: مرزوقاً حسناً، أو على أنه مصدر مؤكدة، والرزق الحسن هو نعيم الجنة الذي لا ينقطع وقيل هو الغنيمة لأنه حلال. وقيل: هو العلم والفهم كقول شعيب: {وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} [هود: 88]. قرأ ابن عامر وأهل الشام: {ثم قتلوا} بالتشديد على التكثير، وقرأ الباقون بالتخفيف {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين} فإنه سبحانه يرزق بغير حساب، وكل رزق يجري على يد العباد لبعضهم البعض، فهو منه سبحانه، لا رازق سواه ولا معطي غيره، والجملة تذييل مقرّرة لما قبلها.
وجملة: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ} مستأنفة، أو بدل من جملة: {ليرزقنهم الله}. قرأ أهل المدينة: {مدخلاً} بفتح الميم، وقرأ الباقون بضمها، وهو اسم مكان أريد به الجنة، وانتصابه على أنه مفعول ثانٍ أو مصدر ميمي مؤكد للفعل المذكور، وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة سبحان. وفي هذا من الامتنان عليهم والتبشير لهم ما لا يقادر قدره، فإن المدخل الذي يرضونه هو الأوفق لنفوسهم والأقرب إلى مطلبهم، على أنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وذلك هو الذي يرضونه وفوق الرضا {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم {حَلِيمٌ} عن تفريط المفرطين منهم لا يعاجلهم بالعقوبة.
والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم. قال الزجاج: أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف، ومعنى {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ}: من جازى الظالم بمثل ما ظلمه. وسمي الابتداء باسم الجزاء مشاكلة كقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]. وقوله تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. والعقوبة في الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه. والمراد بالمثلية: أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به ولم يزد عليه، ومعنى {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ}: أن الظالم له في الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى. قيل: المراد بهذا البغي: هو ما وقع من المشركين من إزعاج المسلمين من أوطانهم بعد أن كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به، واللام في {لَيَنصُرَنَّهُ الله} جواب قسم محذوف، أي لينصرن الله المبغيّ عليه على الباغي {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي كثير العفو والغفران للمؤمين فيما وقع منهم من الذنوب.
وقيل: العفو والغفران لما وقع من المؤمنين من ترجيح الانتقام على العفو. وقيل: إن معنى {ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ} أي ثم كان المجازي مبغياً عليه، أي مظلوماً، ومعنى ثم تفاوت الرتبة، لأن الابتداء بالقتال معه نوع ظلم كما قيل في أمثال العرب: البادي أظلم. وقيل: إن هذه الآية مدنية، وهي في القصاص والجراحات.
والإشارة بقوله: {ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ اليل فِي النهار} إلى ما تقدّم من نصر الله سبحانه للمبغيّ عليه، وهو مبتدأ وخبره جملة: {بأن الله يولج}، والباء للسببية، أي ذلك بسبب أنه سبحانه قادر، ومن كمال قدرته إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل، وعبر عن الزيادة بالإيلاج، لأن زيادة أحدهما تستلزم نقصان الآخر، والمراد تحصيل أحد العرضين في محل الآخر.
وقد مضى في آل عمران معنى هذا الإيلاج {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} يسمع كلّ مسموع {بَصِيرٌ} يبصر كلّ مبصر، أو سميع للأقوال مبصر للأفعال، فلا يعزب عنه مثقال ذرة.
والإشارة بقوله: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} إلى ما تقدّم من اتصافه سبحانه بكمال القدرة الباهرة والعلم التام، أي هو سبحانه ذو الحق، دينه حقّ، وعبادته حقّ، ونصره لأوليائه على أعدائه حقّ، ووعده حقّ، فهو عزّ وجلّ في نفسه وأفعاله وصفاته حقّ {وَإِن مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل} قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وشعبة {تدعون} بالفوقية على الخطاب للمشركين، واختار هذه القراءة أبو حاتم. وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر، واختار هذه القراءة أبو عبيدة. والمعنى: إن الذين تدعونه إلها، وهي الأصنام، هو الباطل الذي لا ثبوت له ولا لكونه إلها {وَأَنَّ الله هُوَ العلي} أي العالي على كلّ شيء بقدرته المتقدّس على الأشباه والأنداد المتنزه عما يقول الظالمون من الصفات {الكبير} أي ذو الكبرياء، وهو عبارة عن كمال ذاته وتفرّده بالإلهية.
ثم ذكر سبحانه دليلاً بيناً على كمال قدرته، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} الاستفهام للتقرير، والفاء للعطف على {أنزل} وارتفع الفعل بعد الفاء لكون استفهام التقرير بمنزلة الخبر كما قاله الخليل وسيبويه. قال الخليل: المعنى أنزل من السماء ماء فكان كذا وكذا، كما قال الشاعر:
ألم تسأل الربع القواء فينطق *** وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق
معناه: قد سألته فنطق. قال الفراء: {ألم ترَ} خبر، كما تقول في الكلام: إن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة، أي ذات خضرة كما تقول مبقلة ومسبعة، أي ذوات بقل وسباع، وهو عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة، وصيغة الاستقبال، لاستحضار صورة الاخضرار مع الإشعار بتجدد الإنزال واستمراره، وهذا المعنى لا يحصل إلا بالمستقبل، والرفع هنا متعين؛ لأنه لو نصب لانعكس المعنى المقصود من الآية فينقلب إلى نفي الاخضرار، والمقصود إثباته.
قال ابن عطية: هذا لا يكون، يعني الاخضرار في صباح ليلة المطر إلا بمكة وتهامة. والظاهر أن المراد بالاخضرار اخضرار الأرض في نفسها لا باعتبار النبات فيها كما في قوله: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ} [الحج: 5]. والمراد بقوله: {إِنَّ الله لَطِيفٌ} أنه يصل علمه إلى كل دقيق وجليل. وقيل: لطيف بأرزاق عباده. وقيل: لطيف باستخراج النبات، ومعنى {خَبِيرٌ} أنه ذو خبرة بتدبير عباده وما يصلح لهم. وقيل: خبير بما ينطوون عليه من القنوط عند تأخير المطر. وقيل: خبير بحاجتهم وفاقتهم.
{لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} خلقاً وملكاً وتصرّفاً وكلهم محتاجون إلى رزقه {وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني} فلا يحتاج إلى شيء {الحميد} المستوجب للحمد في كل حال {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الارض} هذه نعمة أخرى ذكرها الله سبحانه، فأخبر عباده بأنه سخر لهم ما يحتاجون إليه من الدواب والشجر والأنهار وجعله لمنافعهم {والفلك} عطف على ما، أو على اسم أن، أي وسخر لكم الفلك في حال جريها في البحر، وقرأ عبد الرحمن الأعرج: {والفلك} بالرفع على الابتداء وما بعده خبره، وقرأ الباقون بالنصب. ومعنى {تَجْرِي فِي البحر بِأَمْرِهِ} أي بتقديره، والجملة في محل نصب على الحال على قراءة الجمهور {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} أي كراهة أن تقع، وذلك بأنه خلقها على صفة مستلزمة للإمساك، والجملة معطوفة على تجري {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} أي بإرادته ومشيئته، وذلك يوم القيامة {إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} أي: كثير الرأفة والرحمة حيث سخر هذه الأمور لعباده وهيأ لهم أسباب المعاش، وأمسك السماء أن تقع على الأرض فتهلكهم تفضلاً منه عل عباده وإنعاماً عليهم.
ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال: {وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ} بعد أن كنتم جماداً {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء أعماركم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} عند البعث للحساب والعقاب {إنْ الإنسان لَكَفُورٌ} أي كثير الجحود لنعم الله عليه مع كونها ظاهرة غير مستترة، ولا ينافي هذا خروج بعض الأفراد عن هذا الجحد؛ لأن المراد وصف جميع الجنس بوصف من يوجد فيه ذلك من أفراده مبالغة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمان الفارسي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات مرابطاً أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر، وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين، واقرؤوا إن شئتم {والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ} إلى قوله: {حَلِيمٌ}»
وإسناد ابن أبي حاتم هكذا: حدّثنا المسيب بن واضح، حدّثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن عبد الكريم بن الحارث عن أبي عقبة، يعني: أبا عبيدة بن عقبة قال: قال شرحبيل بن السمط: طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم، فمرّ بي سلمان: يعني: الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابي أنه كان برودس، فمرّوا بجنازتين أحدهما قتيل والآخر متوفى، فمال الناس عن القتيل، فقال فضالة: مالي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا: هذا القتيل في سبيل الله، فقال: والله ما أبالي من أيّ حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله {والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ} الآية. وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا: حدّثنا أبو زرعة عن زيد بن بشر أخبرني ضمام؛ أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المغافري يقولان: كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: ويؤيد هذا قول الله سبحانه: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مهاجرا إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} [النساء: 100].
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} قال: إن النبيّ بعث سرية في ليلتين بقيتا من المحرم فلقوا المشركين، فقال المشركون بعضهم لبعض: قاتلوا أصحاب محمد فإنهم يحرمون القتال في الشهر الحرام، وإن أصحاب محمد ناشدوهم وذكروهم بالله أن يعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام إلا من بادأهم، وإن المشركين بدأوا فقاتلوهم، فاستحلّ الصحابة قتالهم عند ذلك فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم. وهو مرسل.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وَمَنْ عَاقَبَ} الآية قال: تعاون المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخرجوه، فوعده الله أن ينصره، وهو في القصاص أيضاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وَإِن مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل} قال: الشيطان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} قال: يعدّ المصيبات وينسى النعم.


عاد سبحانه إلى بيان أمر التكاليف مع الزجر لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الأديان عن منازعته فقال: {لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً} أي لكلّ قرن من القرون الماضية وضعنا شريعة خاصة، بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى، وجملة: {وَهُمْ نَاسِكُوهُ} صفة ل {منسكاً}، والضمير لكل أمة، أي تلك الأمة هي العاملة به لا غيرها، فكانت التوراة منسك الأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى، والإنجيل منسك الأمة التي من مبعث عيسى إلى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم. والقرآن منسك المسلمين، والمنسك: مصدر لا اسم مكان كما يدلّ عليه: {هم ناسكوه}، ولم يقل: ناسكون فيه. وقيل: المنسك: موضع أداء الطاعة، وقيل: هو الذبائح، ولا وجه للتخصيص، ولا اعتبار بخصوص السبب، والفاء في قوله: {فَلاَ ينازعنك فِي الأمر} لترتيب النهي على ما قبله، والضمير راجع إلى الأمم الباقية آثارهم، أي: قد عينا لكل أمة شريعة، ومن جملة الأمم هذه الأمة المحمدية، وذلك موجب لعدم منازعة من بقي منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومستلزم لطاعتهم إياه في أمر الدين، والنهي إما على حقيقته، أو كناية عن نهيه عن الالتفات إلى نزاعهم له. قال الزجاج: إنه نهي له صلى الله عليه وسلم عن منازعتهم، أي لا تنازعهم أنت، كما تقول لا يخاصمك فلان أي: لا تخاصمه، وكما تقول لا يضاربنك فلان، أي لا تضاربه، وذلك أن المفاعلة تقتضي العكس ضمناً، ولا يجوز لا يضربنك فلان وأنت تريد: لا تضربه. وحكي عن الزجاج أنه قال في معنى الآية: فلا ينازعنك، أي فلا يجادلنك. قال: ودلّ على هذا {وَإِن جادلوك} وقرأ أبو مجلز: {فلا ينزعنك في الأمر} أي لا يستخفنك ولا يغلبنك على دينك. وقرأ الباقون: {ينازعنك} من المنازعة {وادع إلى رَبّكَ} أي وادع هؤلاء المنازعين، أو ادع الناس على العموم إلى دين الله وتوحيده والإيمان به {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} أي طريق مستقيم لا اعوجاج فيه.
{وَإِن جادلوك} أي وإن أبوا إلا الجدال بعد البيان لهم وظهور الحجة عليهم {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي فكل أمرهم إلى الله وقل لهم هذا القول المشتمل على الوعيد {الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} أي بين المسلمين والكافرين {يَوْمَ القيامة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين فيتبين حينئذٍ الحق من الباطل، وفي هذه الآية تعليم لهذه الأمة بما ينبغي لهم أن يجيبوا به من أراد الجدال بالباطل وقيل: إنها منسوخة بآية السيف.
وجملة {أَلَمْ تَعْلَمْ} مستأنفة مقرّرة لمضمون ما قبلها.
والاستفهام للتقرير، أي قد علمت يا محمد وتيقنت {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض} ومن جملة ذلك ما أنتم فيه مخلتفون {إِنَّ ذلك} الذي في السماء والأرض من معلوماته {فِى كتاب} أي مكتوب عنده في أمّ الكتاب {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} أي إن الحكم منه سبحانه بين عباده فيما يختلفون فيه يسير عليه غير عسير، أو إن إحاطة علمه بما في السماء والأرض يسير عليه.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} هذا حكاية لبعض فضائحهم، أي إنهم يعبدون أصناماً لم يتمسكوا في عبادتها بحجة نيرة من الله سبحانه: {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} من دليل عقل يدلّ على جواز ذلك بوجه من الوجوه {وَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ} ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في آل عمران، وجملة: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ} معطوفة على يعبدون، وانتصاب بينات على الحال، أي حال كونها واضحات ظاهرات الدلالة {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر} أي الأمر الذي ينكر، وهو غضبهم وعبوسهم عند سماعها، أو المراد بالمنكر: الإنكار، أي تعرف في وجوههم إنكارها. وقيل: هو التجبر والترفع، وجملة: {يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: ما ذلك المنكر الذي يعرف في وجوههم؟ فقيل: يكادون يسطون، أي يبطشون، والسطوة: شدّة البطش، يقال: سطا به يسطو إذا بطش به بضرب، أو شتم، أو أخذ باليد، وأصل السطو: القهر.
وهكذا ترى أهل البدع المضلة إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليهم من آيات الكتاب العزيز، أو من السنة الصحيحة مخالفاً لما اعتقده من الباطل والضلالة رأيت في وجهه من المنكر ما لو تمكن من أن يسطو بذلك العالم لفعل به ما لا يفعله بالمشركين، وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع ما لا يحيط به الوصف، والله ناصر الحقّ ومظهر الدين وداحض الباطل ودامغ البدع وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم، المبينين للناس ما نزل إليهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ثم أمر رسوله أن يردّ عليهم. فقال: {قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم} أي أخبركم {بِشَرّ مّن ذلكم} الذي فيكم من الغيظ على من يتلو عليكم آيات الله ومقاربتكم للوثوب عليهم، وهو النار التي أعدّها الله لكم، فالنار مرتفعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف، والجملة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: ما هذا الأمر الذي هو شرّ مما نكابده ونناهده عند سماعنا ما تتلوه علينا؟ فقال: هو {النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} وقيل: إن {النار} مبتدأ وخبره جملة: {وعدها الله الذين كفروا} وقيل: المعنى: أفأخبركم بشرّ مما يلحق تالي القرآن منكم من الأذى والتوعد لهم والتوثب عليهم؟ وقرئ: {النار} بالنصب على تقدير: أعني.
وقرئ بالجرّ بدلاً من شرّ {وَبِئْسَ المصير} أي الموضع الذي تصيرون إليه، وهو النار.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {هُمْ نَاسِكُوهُ} قال: يعني: هم ذابحوه {فَلاَ ينازعنك فِى الأمر} يعني: في أمر الذبح.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه أيضاً.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: {فَلاَ ينازعنك فِى الأمر} قول أهل الشرك: أما ما ذبح الله بيمينه فلا تأكلوه، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عام، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة، فذلك قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض} يعني: ما في السموات السبع والأرضين السبع. {إِنَّ ذلك} العلم {فِي كتاب} يعني: في اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلق السموات والأرضين {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} يعني: هين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {يكادون يَسْطُونَ} يبطشون.


قوله: {يأَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ} هذا متصل بقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} [الحج: 71] قال الأخفش: ليس ثم مثل، وإنما المعنى: ضربوا لي مثلاً {فاستمعوا} قولهم، يعني: أن الكفار جعلوا لله مثلاً بعبادتهم غيره، فكأنه قال: جعلوا لي شبهاً في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه.
وقال القتيبي: إن المعنى: يا أيها الناس، مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذباباً، وإن سلبها شيئاً لم تستطع أن تستنقذه منه. قال النحاس: المعنى ضرب الله عزّ وجلّ لما يعبدونه من دونه مثلاً. قال: وهذا من أحسن ما قيل فيه، أي بين الله لكم شبهاً ولمعبودكم. وأصل المثل: جملة من الكلام متلقاة بالرضا والقبول، مسيرة في الناس مستغربة عندهم، وجعلوا مضربها مثلاً لموردها، ثم قد يستعيرونها للقصة أو الحالة أو الصفة المستغربة لكونها مماثلة لها في الغرابة كهذه القصة المذكورة في هذه الآية. والمراد بما يدعونه من دون الله: الأصنام التي كانت حول الكعبة وغيرها. وقيل: المراد بهم: السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله لكونهم أهل الحلّ والعقد فيهم. وقيل: الشياطين الذين حملوهم على معصية الله، والأوّل أوفق بالمقام وأظهر في التمثيل، والذباب: اسم للواحد يطلق على الذكر والأنثى، وجمع القلة أذبة، والكثرة ذبان مثل غراب وأغربة وغربان.
وقال الجوهري: الذباب معروف، الواحد ذبابة. والمعنى: لن يقدروا على خلقه مع كونه صغير الجسم حقير الذات، وجملة: {وَلَوِ اجتمعوا لَهُ} معطوفة على جملة أخرى شرطية محذوفة، أي لو لم يجتمعوا له لن يخلقوه ولو اجتمعوا له، والجواب محذوف والتقدير: لن يخلقوه وهما في محل نصب على الحال، أي لن يخلقوه على كلّ حال.
ثم بين سبحانه كمال عجزهم وضعف قدرتهم فقال: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} أي إذا أخذ منهم الذباب شيئاً من الأشياء لا يقدرون على تخليصه منه لكمال عجزهم وفرط ضعفهم، والاستنقاذ والإنقاذ: التخلص، وإذا عجزوا عن خلق هذا الحيوان الضعيف، وعن استنقاذ ما أخذه عليهم؛ فهم عن غيره مما هو أكبر منه جرماً وأشدّ منه قوّة؛ أعجز وأضعف، ثم عجب سبحانه من ضعف الأصنام والذباب، فقال: {ضَعُفَ الطالب والمطلوب} فالصنم كالطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب أو يطلب استنقاذ ما سلبه منه، والمطلوب: الذباب. وقيل: الطالب عابد الصنم، والمطلوب: الصنم، وقيل: الطالب: الذباب، والمطلوب: الآلهة.
ثم بين سبحانه أن المشركين الذين عبدوا من دون الله آلهة عاجزة إلى هذه الغاية في العجز، ما عرفوا الله حقّ معرفته فقال: {مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموه حقّ تعظيمه ولا عرفوه حقّ معرفته، حيث جعلوا هذه الأصنام شركاء له مع كون حالها هذا الحال، وقد تقدّم في الأنعام {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} على خلق كل شيء {عَزِيزٌ} غالب لا يغالبه أحد، بخلاف آلهة المشركين، فإنها جماد لا تعقل ولا تنفع ولا تضرّ ولا تقدر على شيء.
ثم أراد سبحانه أن يردّ عليهم ما يعتقدونه في النبوّات والإلهيات فقال: {الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلاً} كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل ويصطفي أيضاً رسلاً {مِنَ الناس} وهم الأنبياء، فيرسل الملك إلى النبيّ، والنبيّ إلى الناس، أو يرسل الملك لقبض أرواح مخلوقاته، أو لتحصيل ما ينفعهم، أو لإنزال العذاب عليهم {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لأقوال عباده {بَصِيرٌ} بمن يختاره من خلقه {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما قدّموا من الأعمال وما يتركونه من الخير والشرّ كقوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ} [ياس: 12]. {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} لا إلى غيره.
ولما تضمن ما ذكره من أن الأمور ترجع إليه، الزجر لعباده عن معاصيه، والحضّ لهم على طاعاته؛ صرح بالمقصود فقال: {يأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ اركعوا واسجدوا} أي صلوا الصلاة التي شرعها الله لكم، وخصّ الصلاة لكونها أشرف العبادات، ثم عمّم فقال: {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} أي افعلوا جميع أنواع العبادة التي أمركم الله بها {وافعلوا الخير} أي ما هو خير، وهو أعم من الطاعة الواجبة والمندوبة. وقيل: المراد بالخير هنا: المندوبات. ثم علل ذلك بقوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي إذا فعلتم هذه كلها رجوتم الفلاح. وهذه الآية من مواطن سجود التلاوة عند الشافعي ومن وافقه، لا عند أبي حنيفة ومن قال بقوله، وقد تقدّم أن هذه السورة فضلت بسجدتين، وهذا دليل على ثبوت السجود عند تلاوة هذه الآية.
ثم أمرهم بما هو سنام الدين وأعظم أعماله، فقال: {وجاهدوا فِي الله} أي في ذاته ومن أجله، والمراد به الجهاد الأكبر، وهو الغزو للكفار ومدافعتهم إذا غزوا بلاد المسلمين، وقيل: المراد بالجهاد هنا: امتثال ما أمرهم الله به في الآية المتقدّمة، أو امتثال جميع ما أمر به ونهى عنه على العموم، ومعنى {حَقَّ جهاده}: المبالغة في الأمر بهذا الجهاد؛ لأنه أضاف الحق إلى الجهاد، والأصل إضافة الجهاد إلى الحق، أي جهاداً خالصاً لله، فعكس ذلك لقصد المبالغة، وأضاف الجهاد إلى الضمير اتساعاً، أو لاختصاصه به سبحانه من حيث كونه مفعولاً له ومن أجله. وقيل: المراد {بحق جهاده}: هو أن لا تخافوا في الله لومة لائم. وقيل: المراد به استفراغ ما في وسعهم في إحياء دين الله.
وقال مقاتل والكلبي: إن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16]. كما أن قوله: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] منسوخ بذلك، ورد ذلك بأن التكليف مشروط بالقدرة، فلا حاجة إلى المصير إلى النسخ.
ثم عظم سبحانه شأن المكلفين بقوله: {هُوَ اجتباكم} أي اختاركم لدينه، وفيه تشريف لهم عظيم. ثم لما كان في التكليف مشقة على النفس في بعض الحالات قال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ} أي من ضيق وشدّة.
وقد اختلف العلماء في هذا الحرج الذي رفعه الله، فقيل: هو ما أحله الله من النساء مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين. وقيل: المراد: قصر الصلاة، والإفطار للمسافر، والصلاة بالإيماء على من لا يقدر على غيره، وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض، واغتفار الخطأ في تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة، وكذا في الفطر والأضحى. وقيل: المعنى: أنه سبحانه ما جعل عليهم حرجاً بتكليف ما يشق عليهم، ولكن كلفهم بما يقدرون عليه، ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج، فلم يتعبدهم بها كما تعبد بها بني إسرائيل. وقيل: المراد بذلك: أنه جعل لهم من الذنب مخرجاً بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار والتكفير فيما شرع فيه الكفارة والأرش، أو القصاص في الجنايات، وردّ المال أو مثله أو قيمته في الغصب ونحوه. والظاهر أن الآية أعمّ من هذا كله، فقط حطّ سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف على عباده: إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم، أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه، أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذي شرعه الله، وما أنفع هذه الآية وأجلّ موقعها وأعظم فائدتها، ومثلها قوله سبحانه: {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16]، وقوله: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} [البقرة: 185]. وقوله: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]. وفي الحديث الصحيح أنه سبحانه قال: «قد فعلت» كما سبق بيانه في تفسير هذه الآية، والأحاديث في هذا كثيرة.
وانتصاب ملة في {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} على المصدرية بفعل دلّ عليه ما قبله أي وسع عليكم دينكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم.
وقال الزجاج: المعنى اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم.
وقال الفراء: انتصب على تقدير حذف الكاف، أي كملة، وقيل: التقدير: وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم، فأقام الملة مقام الفعل. وقيل: على الإغراء. وقيل: على الاختصاص، وإنما جعله سبحانه أباهم لأنه أبو العرب قاطبة، ولأن له عند غير العرب الذين لم يكونوا من ذريته حرمة عظيمة كحرمة الأب على الابن لكونه أبا لنبيهم صلى الله عليه وسلم: {هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ} أي في الكتب المتقدّمة {وَفِي هذا} أي القرآن، والضمير لله سبحانه. وقيل: راجع إلى إبراهيم. والمعنى: هو، أي إبراهيم، سماكم المسلمين من قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي هذا، أي في حكمه، أن من اتبع محمداً فهو مسلم.
قال النحاس: وهذا القول مخالف لقول علماء الأمة. ثم علل سبحانه ذلك بقوله: {لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ} أي بتبليغه إليكم {وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} أن رسلهم قد بلغتهم، وقد تقدّم بيان معنى هذه الآية في البقرة. ثم أمرهم بما هو أعظم الأركان الإسلامية فقال: {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وتخصيص الخصلتين بالذكر لمزيد شرفهما {واعتصموا بالله} أي اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون، والتجؤوا إليه في جميع أموركم، ولا تطلبوا ذلك إلاّ منه {هُوَ مولاكم} أي ناصركم ومتولي أموركم دقيقها وجليلها {فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} أي لا مماثل له في الولاية لأموركم والنصرة على أعدائكم. وقيل: المراد بقوله: {واعتصموا بالله}: تمسكوا بدين الله. وقيل: ثقوا به تعالى.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {يأَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ} قال: نزلت في صنم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه: {ضَعُفَ الطالب والمطلوب} قال: الطالب آلهتهم، والمطلوب الذباب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} قال: لا تستنقذ الأصنام ذلك الشيء من الذباب.
وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة».
وأخرج أيضاً عن أنس وصححه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «موسى بن عمران صفي الله».
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال لي عمر: ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ: وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوّله؟ قلت: بلى فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء.
وأخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف فذكره.
وأخرج الترمذي وصححه وابن حبان وابن مردويه والعسكري في الأمثال عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله».
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن عائشة؛ أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ} قال: «الضيق».
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد قال: قال أبو هريرة لابن عباس: أما علينا في الدين من حرج في أن نسرق أو نزني؟ قال: بلى، قال: فما جعل عليكم في الدين من حرج، قال: الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن شهاب أن ابن عباس كان يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} توسعة الإسلام، ما جعل الله من التوبة والكفارات.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن يسار عن ابن عباس: {مَّا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} قال: هذا في هلال رمضان إذا شكّ فيه الناس، وفي الحج إذا شكوا في الأضحى، وفي الفطر وأشباهه.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير: أن ابن عباس سئل عن الحرج فقال: ادع لي رجلاً من هذيل، فجاءه فقال: مما الحرج فيكم؟ قال: الحرجة من الشجر التي ليس فيها مخرج، فقال ابن عباس: الذي ليس له مخرج.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، والبيهقي في سننه من طريق عبيد الله بن أبي يزيد، أن ابن عباس سئل عن الحرج فقال: ها هنا أحد من هذيل؟ قال رجل: أنا، فقال: ما تعدّون الحرجة فيكم؟ قال: الشيء الضيق، قال: هو ذاك.
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ} ثم قال لي: ادع لي رجلاً من بني مدلج، قال عمر: ما الحرج فيكم؟ قال: الضيق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله: {مّلَّةَ أَبِيكُمْ} قال: دين أبيكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {سماكم المسلمين مِن قَبْلُ} قال الله عزّ وجلّ: سماكم.
وروي نحوه عن جماعة من التابعين.
وأخرج الطيالسي وأحمد، والبخاري في تاريخه، والترمذي وصححه، والنسائي وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والبغوي والبارودي وابن قانع والطبراني والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن الحارث الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا بدعوة الجاهلية فإنه من جثي جهنم»، قال رجل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: «نعم، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله».

1 | 2 | 3 | 4